لا
شيء يحُبطك أكثر
من أن تشاهدَ
مطبلاً ليس لديه
أدنى موهبة ولا
علم، ومع ذلك فهو
آمن مطمئن يأتيه
رزقه رغداً من كل
مكان، أو تجدَ
وصولياً ليس له
من عمل سوى تقبيل
الأيدي والخشوم،
ومع ذلك فهو يملك
قصراً فاخراً قد
بناه على (بلوك
كامل)، بينما
غيره قد مضى على
نزول قرضه
العقاري عامان
وهو غير قادر على
توفير الأرض، أو
تواجهَ انتهازياً
يدعو الناس إلى
الزهد والرضا
بالقليل وعدم
التعلق بالدنيا،
بينما هو يتواجد
في مكاتب العقار
وكتابة العدل
أكثر مما يتواجد
في المساجد.
ثم ما إن تتحدث
مع أحد من هؤلاء
إلا ويحدثك عن
الولاء والوطنية
وفضل العمل
والصبر، ذاكراً
أن ما حصل عليه
لم يأته من فراغ
وإنما هو نتيجة
لأمانته وإخلاصه
وقوة إرادته!
وليس أقتل للوقت
من أن يأتيك أحدٌ
من هؤلاء
المترفين واعظاً،
يرفع شعارات
رائعة وبراقة
كالوطنية والأمن
وشكر النعمة؛
بطريقة تُشعر من
يستمع إليه أنك
عظيم الجرم شديد
النكران بلا
وطنية وبلا ولاء،
أو لكأنه من غير
الهاتكين
لأستارها
المستبيحين
لحرمتها، ثم يقول
لك (الوطن الوطن)،
(الزهد الزهد)،
أو (العزيمة
العزيمة)، وبعد
أن ينتزع من تلك
القيم كل معانيها
يأتيك ليصبها فوق
رأسك أطناناً من
السخافات
والترّهات
كأساليب وعظ
معروفة لا تسمن
ولا تغني من جوع،
ومع ذلك فأنت
مضطر لأن تستمع
لما يقول وتُعجب
بما يقول وتبتسم
إعجاباً بما يقول!
وليس لك إلا أن
تخفي مشاعرك
وتبتلع لسانك ولا
تسأل فبعض
الأشياء السؤال
عنها بدعة.
إنك لكي تعرف سراً
من أسرار التقدم
وسبباً من أسباب
التخلف، انظر
لطريقة الثراء في
كل بلد، ثم قارن
بين أثرياء
العالم الأول
ومواهبهم وأثرياء
العالم الثالث
وعددهم، حيث إن
طريقة الثراء غير
معروفة في العالم
الثالث، ويُلاحظ
أن التحولات فيه
تحدث بشكل مفاجئ
وبطريقة لا تخضع
لقواعد الكون
وسنن الطبيعة،
فمن الممكن أن
تجد من يصبح ثرياً
بين يوم وليلة،
ثم لا يجد من
يقول له (من أين
لك هذا) على
اعتبار أن (ذلك
فضل الله يؤتيه
من يشاء) والسؤال
عن التفاصيل رجس
من عمل الشيطان
لا يقوم به إلا (الزنادقة)
والذين لا يؤمنون
بالقدر! أو لا
يتوقفون عند كلام
الله عز وجل
والعياذ بالله.
ومن الغريب أن
كثيراً من
المحرومين
والبسطاء يبررون
أعمال المترفين،
ويستمعون إلى
كلامهم بأفواه
مفتوحة وأذان
صاغية؛ إعجاباً
بهم وطمعاً فيما
عندهم، أو أملاً
بثواب الله في
الآخرة بعدما
أقنعهم المترفون
أن ما حُرموه في
الدنيا سيحصلون
عليه في الآخرة
بسبب صبرهم
وزهدهم ورضاهم
بالقليل أو بسبب
دفاعهم عن
الصالحين!.
أذكر واحداً من
هؤلاء الطيبين
كان من الممكن أن
يكون ثرياً لولا
أن أتاه (انتهازي)
فاستولى على ما
كان بحوزته من
أراض كان قد
استأجرها من
البلدية ، حيث
أقنعه ذلك
الإقطاعي الخيِّر
بأن التعدي على
أملاك الدولة
حرام، وأن «من
اغتصب شبرا من
أرض طوقه الله
سبع أراضين يوم
القيامة»، وأن ما
تؤجره البلدية من
أراض لا يجوز له
غير تسويرها
وإعادتها إلى
الدولة عند
الحاجة، فما كان
منه إلا أن صدقه
وأعادها إليه من
باب الوطنية
والدين وحفظ
المال العام، لكن
هذا المترف (التخين
جداً) استطاع بما
يملكه من نفوذ
وسلطة أن يحولها
إلى استراحة
مجهزة بكافة
التجهيزات
والخدمات، ما
زالت تُسْتَأْجَر
إلى اليوم مع أن
المكان الواقعة
فيه قد أصبح من
أكثر الأماكن
ازدحاماً وكثافة
بالسكان، وباتت
الحاجة ماسة لأن
يُستغل في
المرافق العامة؛
كأن يكون مستوصفا
أو مسجدا أو
مدرسة أو حديقة
عامة.
وبمناسبة الحديث
عن البلدية
يسألني أحد
الخبثاء دوماً:
لماذا أغلب أمناء
الأمانات ورؤساء
البلديات أثرياء؟!
فأقول له: لِمَ
تحسدون الناس على
ما آتاهم الله من
فضله؟! فيقول:
القضية يا صاحبي
أكبر من بساطتك
وطريقة تفكيرك،
ولو شاء الله
وكُشف الغطاء عن
حساباتهم قبل
وبعد أن يتولوا
مناصبهم لعرفت ما
أقصد، فقلت له:
وماذا تقصد؟! قال:
لا شيء!
جريدة الشرق
http://www.alsharq.net.sa/2012/02/12/120644
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٧٠) صفحة (١٩) بتاريخ (١٢-٠٢-٢٠١٢)